قصة اتجوزت صاحب جوزي الله يرحمه.. بس ليلة الجواز، قالي جملة قلبت كياني

وافقت أتجوز “عمر”، صاحب عمري جوزي الله يرحمه، وكنت فاكرة إني عديت أصعب مراحل الحزن.. لكن ليلة فرحنا، وأنا واقفة قدام جوزي الجديد وهو بيفتح شنطة قديمة وإيده بتترعش، سمعت منه كلام خلاني أعيد تفكير في كل حاجة أعرفها عن الوفاء والحب والفرص التانية.

أنا دلوقتي عندي 41 سنة، وساعات مش بصدق إن دي حياتي.

عشت عشرين سنة مرات “أحمد”.. مش عيشة الروايات والأفلام، لأ.. العيشة الحقيقية، اللي فيها مشاكل وتفاصيل صغيرة وليها معنى. كنا عايشين في شقة واسعة مريحة، عفشها قديم شوية وبلكونتها دايماً محتاجة توضيب. ربينا ولدين ملوا البيت دوشة وكركبة وضحك.

ابني دلوقتي عنده 19 سنة، بيدرس هندسة في محافظة تانية، وبنتي لسه متمة الـ 21 واختارت كلية بعيدة عشان تثبت لنفسها إنها تقدر تعتمد على حالها.

البيت من غيرهم.. ومن غير “أحمد”.. كان كئيب، هادي بزيادة، وكأنه كاتم أنفاسه.

أحمد كان دايماً يقول إن حياتنا “عادية”، وكان يقصد بيها المدح. كان بيصمم يصلح كل حاجة في البيت بنفسه، مع إننا إحنا الاتنين عارفين إنه هيبوظها أكتر. كنت بعمل نفسي متضايقة، بس من جوايا كنت براقبه وهو بيكلم نفسه قدام الحوض وأنا ببتسم.

قصة اتجوزت صاحب جوزي الله يرحمه.. بس ليلة الجواز، قالي جملة قلبت كياني
قصة اتجوزت صاحب جوزي الله يرحمه.. بس ليلة الجواز، قالي جملة قلبت كياني

مكانش كامل.. وساعات كان بيجنني.. بس كان سند، وحنين، ومحسسني بأمان مكنتش عارفة قيمته غير لما راح.

من ست سنين، سواق متهور كسر الإشارة وخبط عربية أحمد وهو راجع من الشغل. جالي تليفون قلب كياني، وفاكرة إني وقعت على الأرض في الصالة وانهارت.

الأسابيع اللي بعد كده كانت عبارة عن صور مهزوزة.. بنتي بتعيط في الحمام، ابني واخد ركن وساكت، وأنا واقفة في المطبخ الساعة 2 بالليل بكلم مج النسكافية بتاعه اللي لسه جنب الحوض.

وسط كل السواد ده.. كان “عمر” موجود.

عمر مكانش مجرد صاحب لأحمد.. دول كانوا أكتر من اخوات. متربيين مع بعض في نفس الشارع، “سفوا التراب” سوا في الجامعة، وسافروا وعملوا مصايب وهما شباب ومفلسين.

عمر كمان كان شايل شيلته.. اتجوز بدري، واتطلق بعد 3 سنين، وكان بيحاول بأقصى جهده يربي بنته ويعوضها عن المشاكل اللي شافتها. عمره ما جاب سيرة طليقته بحاجة وحشة، وعمره ما عاش دور الضحية، وده خلاني أحترمه جداً.

لما أحمد مات، عمر ظهر. مسألش “محتاجة حاجة؟”.. هو كان بيعمل. صلحلي الحوض اللي أحمد كان مأجله، كان بيجيب طلبات البيت لما بنسى آكل، قعد مع ابني في الجراج وخلاه يفرغ غضبه في تكسير الخشب القديم وتصليحه.

ولا مرة “عمر” خلى الموضوع يلف حواليه هو.

في مرة، بعد الأربعين بشوية، كان بيغير لمبة في الطرقة.. قولتله: “يا عمر، مش لازم تعمل كل ده، أنا هتصرف.”

رد من غير ما يبصلي: “عارف.. بس أحمد كان هيعمل كده عشاني.”

بس كده.. مفيش نوايا تانية، مفيش خبث.. مجرد راجل بيوفي بوعد لصاحب عمره.

المشاعر اتسحبت جوايا ببطء لدرجة إني مخدتش بالي منها في الأول.

بعد تلات سنين من موت أحمد، ولادي بدأوا يقفوا على رجليهم، وأنا بدأت أتعلم أعيش كإنسانة مش بس كـ “أرملة”. عمر كان بدأ يبعد شوية، يسيبلي مساحة مكنتش عارفة إني محتاجاها.

لحد ما في ليلة، الحوض ضرب مية الساعة 11 بالليل، واتصلت بيه من غير تفكير.

جالي ببنطلون ترنج وتيشيرت قديم وشنطة العدة في إيده.

ضحك وقال: “انتي عارفة إنك كنتي ممكن تقفلي المحبس وتجيبي سباك الصبح؟”

سندت على الرخامة وقولتله: “عارفة.. بس أنت أرخص!”

ضحكنا إحنا الاتنين.. وفي اللحظة دي في حاجة اتحركت في قلبي.

مفيش مزيكا اشتغلت ولا ألعاب نارية.. بس كنا لوحدنا في المطبخ، وحسيت إني مش لوحدي.

السنة اللي بعدها، دخلنا في حالة “تعود” مريحة. قهوة يوم الجمعة الصبح، خروجة غدا، رغي في التليفون عن كل حاجة ولا حاجة. ولادي لاحظوا قبلي.

بنتي قالتلي: “ماما.. أنتي عارفة إن أنكل عمر بيحبك، صح؟”

“إيه؟ لا طبعاً.. إحنا أصحاب.”

بصتلي البصة إياها.. اللي بتقول إنها هي اللي عاقلة وأنا العيلة الصغيرة: “يا ماما بطلي سذاجة بقي!”

عمر ما ضغطش عليا.. وده اللي خلى الموضوع مقبول، مش خيانة، لكن حياة بتستمر بهدوء.

لما اعترفلي بمشاعره، كنا قاعدين في التراس وقت الغروب.

قال وهو باصص للأرض: “لازم أقولك حاجة.. ولو عايزة تطرديني بعدها براحتك. أنا بحبك يا (منى).. بحبك من زمان، وعارف إنه غلط عشان أحمد، بس غصب عني.”

المفروض كنت أتصدم.. بس الحقيقة إني كنت عارفة.

قولتله: “مش غلط يا عمر.. أنا كمان حاسة بكدة.”

رفع عينه وشفت فيها دموع: “متأكدة؟ أنا مش عايز أكون وجع جديد في حياتك.”

قولتله: “متأكدة.”

لما قررنا نتجوز، “مامت أحمد” كانت أكتر حد قلقانة منه. عزمتها على القهوة وإيدي بتترعش.

“طنط.. عايزة أقولك حاجة..”

قاطعتني: “أنتي وعمر.”

اتسمرت مكاني: “عرفتي إزاي؟”

مسكت إيدي وقالت: “أنا مش عامية يا بنتي.. أحمد كان بيحبكم أنتوا الاتنين، ولو كان اختار حد يخلي باله منك ويسعدك، كان هيختار عمر. عيشي حياتك، دي مش خيانة.”

عملنا فرح بسيط في جنينة الفيلا، وكتبنا وعودنا لبعض. عمر قال كلام خلاني أدمع: “أوعدك أصون ذكرى الراجل اللي جمعنا، وأوعدك أحبك زي ما تستاهلي.”

خلص الفرح.. وروحنا بيتنا الجديد.

دخلت الحمام أغسل وشي وأنا حاسة إني خفيفة ومبسوطة.. ولما خرجت، كنت متخيلة هلاقي عمر بيقلع الجاكت وبيرتاح.

بس لقيته واقف قدام الشنطة اللي كانت مركونة فوق الدولاب ونزلها على السرير. كان متخشب وإيده بتترعش.

ضحكت بتوتر: “إيه يا عمر؟ مالك؟”

مردش.. ولما لف وشه ليا، شوفت نظرة رعب وذنب.

همس بصوت مبحوح: “في حاجة لازم أوريها لك.. حاجة جوه الشنطة دي لازم تقريها قبل ما نبدأ ليلتنا.”

قلبي وقع في رجلي: “في إيه؟”

فتح الشنطة ببطء.. وطلع منها ظرف أبيض قديم ومتهالكة، وجواه موبايل قديم شاشته مشروخة.

سألته: “إيه ده؟”

قال: “ده موبايلي القديم.. بنتي لقته من كام أسبوع وشحنته.. ولما فتحته لقيت…”

سكت وفتح الموبايل ووراني “شات” قديم.. محادثة بينه وبين “أحمد” من سبع سنين.. قبل ما يموت.

كانوا بيهزروا عادي في الأول.. كورة وخروجات.. وبعدين الكلام اتغير.

عمر كان بيكتب لأحمد: “تصدق يا صاحبي.. ساعات بحسدك.. أنت ومنى لايقين على بعض بشكل يغيظ. يا بختك بيها.”

رد أحمد كان صدمة ليا:

“بقولك إيه.. فكك من السيرة دي. اوعى تفكر فيها كده.. دي مراتي يا عمر.. اوعى تخون العيش والملح وتعدي حدودك.”

فضلت متنحة في الشاشة.. فهمت كل حاجة. وقتها عمر كان بيمر بمشاكل طلاقه وكان وحيد، ولما شاف حياتنا استكترها علينا، وأحمد بغيرته وحسمه وقف له واداله كلمتين في العضم.

عمر صوته كان بيترعش: “أنا كنت نسيت المحادثة دي تماماً.. والله يا منى وقتها كانت لحظة شيطان ومجرد كلام.. عمري ما فكرت فيكي وحش وقتها ولا خنت صاحبي.. بس لما شفت الرسالة دي بعد ما اتفقنا نتجوز.. خوفت. خوفت أكون خاين، خوفت أكون استغليت موته عشان أوصلك.”

قعد على طرف السرير ودفن وشه بين إيديه: “لو شايفة إني خدعتك.. ننهي الموضوع دلوقتي. أنا هنام في الصالة وبكرة نطلق.”

بصيت للراجل اللي لسه متجوزاه، واللي مستعد يضحي بكل حاجة ليلة فرحه عشان خايف يكون ظلمني.

قربت منه ورفعت وشه ليا: “أنت بتحبني؟”

قال بلهفة: “أيوة والله العظيم.”

قولتله بهدوء: “أحمد مكنش يعرف إنه هيموت.. ولو شايفنا دلوقتي هيفرح إن مراته مع أرجل واحد عرفه. أنت مكسرتش الوعد.. دي إرادة ربنا.. إحنا الاتنين مرينا بوجع ولقينا بعض.. دي مش خيانة، دي حياة.”

حضنته.. وكان حضن فيه كل معاني الأمان.

الليلة دي، جددنا عهودنا بينا وبين بعض.. مش وعود مبنية على الماضي، لكن على المستقبل اللي بنبنيه سوا.

فات شهرين دلوقتي.. وكل يوم بصحى جنب “عمر” بتأكد إني خدت القرار الصح.

أحمد هيفضل جزء من تاريخي وأبو ولادي.. بس مش هو نهاية الحكاية.

عمر هو الفصل الجديد.. واتعلمت إن القلب أقوى مما نتخيل.. ممكن يتكسر، ويرجع يدق ويحب من تاني، من غير ما ينسى اللي فات.

لو فاكرين إن الوقت فات، أو إنكم حبيتوا غلط.. اعرفوا إن الحياة مش بتمشي بالورقة والقلم، بس ساعات.. الترتيبات القدرية بتكون أحلى بكتير مما خططنا.

اترك ردّاً