أصبحت الأخبار التي تتحدث عن وصول الإنسان إلى المريخ حقيقة و ليس خيال. و لكن ما نحتاج أن نعرفه حقاً ما هي المشاكل التي ستواجهنا و كيف سنتغلب عليها ؟ و هل يجب أن نحاول ؟
و بينما نتحدث الآن يقترب مسبار ” هوريزون” من الكوكب القزم بلوتو، و ذلك بعد أن أكمل رحلته الشاقة و الطويلة على مدى تسعة أعوام، و التي تبلغ 3 مليار ميل. كوكب بلوتو بعيد جداً لدرجة أنه يقع في حزام كويبر، و هي منطقة في النظام الشمسي خارج نطاق الكواكب. كل هذا يؤكد أن السفر عبر الفضاء قد يكون يوماً من الأيام بلا حدود.
و لكن حالياً تتجه كل الأنظار نحو المريخ، و هي رحلة تستغرق فقط 180 يوم للوصول له من الأرض، كما أنه يعتبر مستعمرة بشرية مستقبلية محتملة. وهذا ليس مجرد خيال علمي لأن سباق الوصول إلى هناك قد بدأ بالفعل.
المريخ واحد ( مارس وان)
و من الأمثلة على ذلك الشركة الهولندية المريخ واحد أو ” مارس وان” و التي تخطط لإطلاق رحلة ذهاب فقط لأربعة من رواد الفضاء إلى المريخ، و التي ستهبط هناك في عام 2027. ثم بعد ذلك سينضم إليها طواقم اخرى إضافية كل عامين لتشكيل مستعمرة. و يرفض المشككون بشكل كبير رحلة مارس وان بإعتبار أنه عمل حيوي، و لكن أحد المقترحات الأكثر قابلية للتطبيق هو ناسا أوريون، و هي أول مهمة صممت منذ مهمة أبوللو لنقل البشر إلى الفضاء البعيد. و من المقرر العودة إلى المريخ في عام 2030.
و إستعداداً لذبك تدرس وكالة الفضاء الأمريكية ” ناسا ” و وكالة الفضاء الأوروبية ” إيسا” كوكب المريخ بإستخدام العديد من المركبات الفضائية، و ذلك لمحاولة فك لغز كيف فقد المريخ معظم غلافه الجوي. في عام 2021 ستختبر ناسا المركبة محطة الطقس التجريبية على كوكب المريخ و أيضاً أداة لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أوكسجين.
و قد تم إكتشاف الكثير بالفعل. و إثنان من أكثر الإكتشافات إثارة تتعلقان بالمياه، أحد أهم المكونات الحيوية للحياة. و بإستخدام تليسكوبات الأشعة تحت الحمراء القوية، أكد علماء ناسا أن المريخ كان في يوم من الأيام يمتلئ بالماء أكثر من المحيط المتجمد الشمالي، و مازال هناك بعضها محبوس في طبقات المريخ القطبية. كما أن تلسكوب هابل الفضضائي قد اكتشف المزيد من الماء تحت سطح أكبر أقمار كوكب المشتري ” جانيميد ” و هو وجهة فضائية مستقبلية اخرى.
كيف نصل إلى المريخ ؟
أبعد ما وصل إليه رواد الفضاء هو القمر، و هو على بعد حوالي 240 ألف ميل من الأرض. و هي رحلة قصيرة جداً مقارنة برحلة المريخ التي تبلغ 35 مليون ميل من كوكب الأرض. كما أن الوصول إلى الكوكب الأحمر يتطلب بعض الأجهزة الخطيرة. و ستسخدم ناسا نظام الإطلاق الفضائي الجديد بالصاروخ الجديد و ذلك لدفع أويون – و هو الجيل الجديد من المركبات الفضائية – إلى الفضاء. نظام الإطلاق الفضائي الجديد هو أقوى من أي صاروخ إطلاق سابق، حيث يطلق أكثر من 8.4 مليون باوند من قوة الدفع، و هو ما يساوي 135 طائرة من طراز بوينج 747. كما أن أجهزة الحاسب الآلي التي تقوم بتشغيل البرنامج على أوريون لها القدرة على التعامل مع 480 مليون معلومة في الثانية.
وكانت هناك بعض التكهنات بأن رواد الفضاء سوضعون في سبات عميق ” نوم شديد” أو ما يسمى بالغيبوبة العلاجية خلال الرحلة إلى المريخ، و يبقوهم أحياء عن طريق التغذية من الوريد للحفاظ على المواد الغذائية في أجسامهم. و بالرغم من أن هذا يعتبر من المشاهد المفضلة لأفلام الخيال العلمي، فإن الخبراء يعتقدون أن هذا أمر غير محتمل.
كيف نعيش على المريخ؟
سيحتاج البشر إلى الماء و الغذاء و الأوكسجين بصفة دائمة من أجل أن يعيشوا على كوكب المريخ. و سيكون إستخراج الماء المحبوس في الجليد أمراً صعباً، و لكن مع إكتشاف الماء المتدفق مؤخراً على المريخ فقد لا يكون هذا صعبا للغاية.
و تقوم ناسن بتطوير جهاز حفار يدعى راسور ” الإنسان الآلي لحفر الطبقات الصخرية المتقدمة ” و هو مصمم لإزالة الألغام و الجليد و الوقود من تربة الكوكب. كما تخطط شركة مارس وان لإرسال مستخرج للمياه لتسخين التربة حتى تتبخر المياه. ثم يتم تكثيف المياه و تخزينها و طرد التربة الجافة و تكرار هذه العملية. و تزعم شركة مارس وان أن رواد الفضاء سيحصلون على 50 لتر من المياه القابلة لإعادة التدوير كل يوم.
كما أنك ستحتاج لزراعة المحاصيل الغذائية و حصدها، و لكن الزراعة في الفضاء ليست سهلة. و لكن تحذر الدكتورة آنا ليزا بول الخبيرة في البيولوجيا الجزيئية و الخلوية في جامعة ولاية فلوريدا، أنه لا يمكنك زرع المحاصيل في الأرض و رش المياه عليها و الحصول على النباتات، لأنه في التربة الصخرية تحت المجهر سوف تطير المياه و تدخل إلى داخل المركبة الفضائية.
و تقول دكتور بول و التي كانت تدرس إستخدام أرابيدوبسيس ( نبتة أذن الفأر) على محطة الفضاء الدولية. ” يمكنك زراعة النباتات في الفضاء و لكن هذا يتطلب التحكم في الغازات و المياه و بعض التربة المتنامية”. هذا المحصول مثالي للنمو على المريخ، فهو قادر على النمو على طبق بيتري (10 سم) ويرتبط بالخضروات مثل البروكلي و الفجل. كما أنه ينضج سريعاً و يعرف العلماء شفرته الوراثية بالكامل.
كما أنك ستحتاج بعض الأنظمة الخاصة للنمو مثل فيجي ” مشروع نظام إنتاج الخضروات ” و هي غرفة بها موجات دقيقة و التي تتلقى بها النباتات غاز ثاني أكسيد الكربون و الأسمدة. و تحرك المراوح الهواء ( الغازات الثقيلة تغرق بينما تطفو الغازات الغازات الخفيفة على الأرض، بينما في الفضاء هذا لا يحدث).
كما أن الطعام قد يكون مطبوعاً ايضاً. حيث تعمل وكالة ناسا مع شركة أبحاث الأنظمة و المواد لتطوير طابعة ثلاثية الأبعاد لعمل البروتين و النشا و الدهون في قوالب، و أيضاً النكهات و المغذيات. و يتوقع دافيد إرفين مدير شركة الأبحاث و الأنطمة و المواد أن يكون هناك حزالي 25 إلى 50 مادة غذائية أساسية بما في ذلك الخبز و المعجنات.
و يقول إرفين ” نحن لا نحاول الخروج عن تصاميم هذا العالم”. بل سيكون شكل الطعام عملياً لضمان فعاليته أثناء الطهي و المعالجة. لذلك ستبدو اليتزا مثل البيتزا و البسكويت مثل البسكويت. نحن لا نخطط للحصول على طعام بنجمة ميشلان، و لكن مجرد وجبات صحية و مغذية.
و قد إقترحت شركة مارس وان أن يقوم المستعمرين بإعادة تدوير النفايات البشرية لتوفير المغذيات لمحاصيلهم. و قد يشمل نظامهم الغذائي الحشرات و الطحالب.
و يمكن إستخدام النباتات لإنتاج الأوكسجين أيضاً. حيث تدعي دكتور بول أنه يمكن إستخدام بنك من الكائنات الحية الضوئية ( مثل الطحالب الخضراء) لهذه المهمة. كما أن ناسا تخطط أيضاً لتحويل ثاني أكسيد الكربون الذي يمتلئ به هواء المريخ الرقيق إلى أوكسجين بإستخدام “موكسي” – و هي آلة قدارة على إنتاج 4/3 أوقية من الأوكسجين في الساعة. و إذا نجحت هذه العملية سيتم إطلاق جهاز أكبر قبل عامين من وصول رواد الفضاء إلى المريخ لإنتاج الأوكسجين اللازم للتنفس البشري و ليعمل كوقود للصواريخ أيضاً.
و يتضح من ذلك أن الإنسان قد لا يستطيع أن يعيش على سطح المريخ، لأن المريخ بيئته مضادة تماماً للحياة البشرية، حيث تجمع بين البرد القارس و الجو الغير قابل للتنفس والإشعاعات الشديدة. و ذلك كله بالرغم من التأكيد على أن المريخ كان يحتوي على الكثير من الماء في يوم من الأيام. ولكن هناك سؤال مهم لابد من معرفة إجابته و هو لماذا نذهب إلى المريخ؟
أسباب الذهاب إلى المريخ
لا بد من مواجهة الأمر، فإن البشرية تريد و تحتاج أن تذهب إلى المريخ للعديد من الأسباب. أولاً هناك روح الإستكشاف و وضع القدم على عالم جديد و إستكشاف الحدود الكبيرة التالية – مثلما فعل رواد فضاء سفينة أبوللو في أواخر الستينات و أوائل السبعينيات. كما أننا نحتاج للذهاب إلى هناك لبناء و إنشاء مستعمرة جديدة للبشرية، و ذلك تحسباً لصعوبة الحياة على كوكب الأرض بسبب بعض الأشياء مثل تغيرات المناخ. يمكننا أيضاً الذهاب إلى هناك للبحث عن موارد إضافية مثل الماء و المعادن الثمينة أو الأراضي الزراعية الإضافية في حالة عدم تمكننا من زراعة شيء على الأرض.
و لذلك فإن المريخ هو الوجهة الطبيعية القادمة. كما أن المريخ يوفر لنا بعض المواد الخام و التي يمكن إستخدامها لصنع الخرسانة و صنع بعض المخابئ و الكهوف تحت الأرض لحماية المواطنين من الإشعاع.
و لقد ذكر إيلون موسك أن الهدف من سبايس إكس (شركة فضاء أمريكية) هو مساعدة البشر على الوصول إلى المريخ. و أنهم يصممون الصواريخ و معدات الهبوط للمساعدة في ذلك. و يرغب موسك في بناء مستعمرة على المريخ من حوالي مليون شخص. و هذا يعتبر خيار جيد لأن المريخ قد يكون ثاني أكثر الأماكن التي تدعم الحياة في نظامنا الشمسي. العقارات يجب أن تكون رخيصة جداً، و لكن الإنتقال سيكون مكلف بعض الشيء.
كما أن هناك بعض الأشياء التي تستحق التفكير، فالمريخ جميل. حيث يبدو و كأنه كوكب صحراوي جميل مع الرياح و السحب و أماكن الأنهار القديمة. و لكن ربما يكون السبب الأفضل للذهاب إلى هناك هو لأنه صعب. لهذا يريد الإنسان الذهاب إلى هناك و تحدي الصعاب لتحقيق هدفه، و خاصة أنه يتطلب العديد من العمل الشاق و التضحيات.
بعض الأسباب لعدم الذهاب إلى المريخ
نعم المريخ يبدو رائعاً و لكن هذا إذا لم يكن جسمك مكون من اللحم و لا تحتاج إلى تنفس الأوكسجين. و لكن إذا كنت تحتاج هذا فالمريخ سيكون سيء لك. المريخ ليس أكثر قابلية للحياة من الفراغ البارد في الفضاء، حيث أنه لا يوجد هواء على سطح المريخ. لذلك إذا نزلت على سطح المريخ فسيكون المشهد مذهلاً. و تمر هذه اللحظات سريعاً حتى تنتهي حياتك بسبب نقص الأوكسجين.
لا يوجد في الفضاء أي ضغط للهواء كما أن درجات الحرارة باردة للغاية. و بالطبع هناك إشعاعات مستمرة تتدفق من الفضاء. و قد تلاحظ أيضاً أن التربة سامة لذلك فإن إستخدامها للزراعة يتطلب أن تتم عملية إزالة التلوث أولاً.
و إذا إفترضنا أنه يمكننا التعامل مع هذه المشاكل، فهناك مشكلة كبيرة و رئيسية و هي تتمثل في محدودية الوصول إلى قطع الغيار و اللوازم الطبية. لا يمكنك الذهاب إلى البقالة على سطح المريخ إذا كنت تعاني من مشاكل الكلى (توقفت عن العمل) أو إذا تضررت أحبالك الصوتية.
سيكون هناك حاجة للتدفق المستمر من الإمدادات القادمة من الأرض حتى يستطيع إقتصاد المريخ أن يببني نفسه و يكون له القدرة على دعم نفسه. كما أن نقل الإمدادات من الأرض سيكون مكلف جداً و هذا يعني وجود فترات طويلة من إنخفاض الإمدادات.
كما أن أحد أكبر الأشياء الغير معروفة هو ماذا ستفعل الجاذبية الضعيفة في الجسم البشري على مدى شهور و سنوات. فالجاذبية هناك تعادل 40 % من جاذبية الأرض، لذلك فإن تاثير ضعف الجاذبية على المدى الطويل هو شيء غير معلوم حتى الآن. هل سيساعد ذلك على إطالة أعمارنا أو جعلها أقصر، نحن لا نعرف حتى الآن.
و هناك قائمة طويلة من هذه الأنواع من المشاكل. لذلك إذا كنت تعتزم الذهاب إلى المريخ و البقاء هناك بشكل دائم، فسوف نعتمد على تقنياتنا بشطل كبير لنبقى على قيد الحياة و لكي نستطيع التأقلم على هذه الظروف.
بعض الحلول الممكنة
من أجل البقاء على قيد الحياة و محاربة نقص ضغط الهواء و البرد الشديد، سوف يحتاج البشر إلى مساكن مضغوطة و مدفئة. كما سيحتاج البشر الذين سيعيشون على سطح المريخ إلى بدلة الفضاء في كل مرة يخرجون فيها من المنزل. و كل ساعة يقضونها في الخارج تزيد من تعرضهم للإشعاعات، و هذا بالإضافة للمضاعفات التي يسببها التعرض لهذه الإشعاعات.
و على المدى الطويل، سيحتاج الإنسان إلى معرفة كيفية إستخراج المياه من الإمدادات الأرضية و إستخدامها لتوليد هواء للتنفس و وقود للصواريخ. و بمجرد تقليل مخاطر الوفاة بسبب الإختناق أو الجفاف، فسنحتاج للتفكير في مصادر الطعام، حيث سنكون بعيدين عن أي منطقة بها طعام إلا الأرض. يمكن الإعتماد على شحن الغذاء من الأرض و لكن هذا سيكون مكلف للغاية.
و سنحتاج لإنتاج الطعام أيضاً نظراً لأننا لا نستطيع الإعتماد على شحن الطعام بإنتظام دائماً. و بالرغم من سمية التربة في المريخ، إلا أن تربة المريخ يمكن إستخدامها في زراعة النباتات بمجرد إزالة بعض المواد الكيميائية الضارة و إضافة المكملات لها. و ستساعد تجربة ناسا في الزراعة المائية الواسعة في ذلك.
و لكي ينمو البشر على المريخ فإن المتطوعين قد يقومةن ببعض التغييرات في أنفسهم أو في ذريتهم. و قد تساعد الهندسة الوراثية في ذلك لمساعدة الأجيال القادمة على التأقلم مع الجاذبية المنخفضة و الإشعاع العالي و ضغط الهواء المنخفض. كما أن المستعمرين قد يقوموا بتكييف نباتاتهم و حيواناتهم على العيش هناك أيضاً.
كما أن العلماء و البشر قد يحتاجوا إجراء بعض التعديلات على كوكب المريخ. حيث يمكن تغيير تضاريس المريخ من الأساس. و لكن للقيام بذلك سنحتاج لإطلاق كميات هائلة من الغازات التي تسبب ااإحتباس الحراري اتدفئة الكوكب و إطلاق المياه المتجمدة. و ربما سيقوم البشر بتحطيم بعض المذنبات في الكوكب لتوصيل المياه و المواد الكيميائية الاخرى.
هذا قد يستغرق آلاف أو حتى ملايين السنين، ولكن هذا سيكون من أجل حياة أفضل. و نحن الآن نملك التكنولوجيا المطلوب للقيام بكل هذا، و التي قد تمكننا من جعل المريخ مكان نعيش فيه بدون الحاجة حتى لإرتداء بدلات الفضاء.
هذا الأمر برمته يعتبر تحدٍ كبير للبشر لتطبيقه و ليس هناك أفضل من التحدي لإخراج أفضل ما لدينا للتغلب عليه و جعل هذا الحلم المستحيل يصبح حقيقة.