هل سمعت عن خلل التنسج العضلي الليفي التدريجي ؟ المرض الذي يحول العظام إلىى عضلات ؟ خلف حاوية زجاجية موجودة في متحف موتير التابع لكلية الطب في فيلادلفيا يتواجد هيكلان عظميان بشريان. عندما تنظر إليهما ستلاحظ أن العظام قد ذابت و إندمجت معًا، حيث تظهر أحد الهياكل العظمية رقائق من العظام تغطي الظهر، و العمود الفقري يغلق على الجمجمة، و الجمجمة منغلقة على الفك. كما تربط شرائط عظمية إضافية العمود الفقري بالأطراف، و تمنع حرة الكتفين و المرفقين و الفخذين و الركبتين و الفك. و يبدو الجزء العلوي من الذراعين كأنه قد تم لحمه في القفص الصدري. فما الذي حدث بالفعل لأصحاب هذان الهيكلان ؟
عانى أصحاب هذان الهيكلان العظميين من حالة نادرة للغاية و التي تسمى خلل التنسج العضلي الليفي التدريجي (FOP)، أو ما يعرف بمرض مونشمير. و تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مرض مونشمير تتحول عضلاتهم و أوتارهم تدريجيًا إلى عظام، حتى يصبح الشخص المصاب كتلة من العظام و غير قادر تمامًا على الحركة.
لتفسير هذه الحالة المرضية الغريبة بشكل أفضل، يجب أن تعلم أنه في العادة عندما يموت شخص ” سليم ” و تتحلل الأنسجة الضامة التي كانت تربط العظام معًا في الحياة، ينهار الهيكل العظمي إلى كومة من العظام. و حتى تتمكن من عرض الهيكل العظمي مرة أخرى في شكل طبيعي، عادة ما تقوم المتاحف بإعادة تشكيلها و تجميعها بالأسلاك الدقيقة و الغراء. و لكن في متحف موتير الأمر مختلف تمامًا، حيث الهيكلان يقفان بشكل طبيعي و مدمج بالكامل دون أي تدخل أو تعديل.
و يعتبر مرض مونشمير نادر جدًا، حيث أن عدد الحالات المعروفة في العالم حتى الآن هو 700 حالة فقط. أشهر هؤلاء المرضى كان هاري ريموند إيستلاك، و هو صاحب واحد من الهيكلين العظميين وراء الواجهة الزجاجية في متحف موتر.
ولد هاري ريموند إيستلاك عام 1933 في فيلادلفيا بتشوهات مميزة في أصابع القدم الكبيرة، و لكن الأطباء الذين رأوه في البداية فشلوا في التعرف على هذه العلامة. عندما كان هاري في الرابعة من عمره، صدمته سيارة بينما كان يلعب مع أخته و كسرت ساقه. تم وضع الساق المكسورة في الجبس الطبي، و لكن الكسر لم يلتئم بشكل صحيح. بعد أشهر، قام الطبيب بإزالة الجبس و كانت ساقه متورمة و ملتهبة، و وجد هاري وقتها صعوبة في تحريك فخذيه و ركبتيه، مما جعل الطبيب يطلب تصوير بالأشعة السينية.
كشف تصوير الأشعة السينية عن نمو غير طبيعي في عظام الفخذين، و إنتشر هذا لاحقًا على طول ظهره و رقبته و صدره أيضًا. خضع هاري لاحقًا إلى 11 عملية جراحية، و لكن هذه العمليات الكثيرة أدت إلى تفاقم حالته حيث حاول الجسم إصلاح الأنسجة التالفة بالمزيد من العظام.
و بالرغم من معاناته الشديدة، عاش هاري طفولة سعيدة نسبيًا، حيث كان يستمع للموسيقى في الراديو، و يحب القراءة، و يلعب الورق مع أخته و يذهب إلى السينما، مثله مثل أي فتى في سنه. كما كان له مقعد مخصص في منتصف الصف السابع بمسرح هاميلتون، حيث كان يمكنه مد ساقه لأنها كانت لا تنحني.
مع مرور السنين، تدهورت حالة هاري أكثر و أكثر، و أصبح يواجه صعوبة في القيام بأنشطته اليومية المعتادة، و إحتاج إلى المساعدة في إستخدام المرحاض، وتناول الطعام ، و إرتداء الملابس. في سن الخامسة عشر، إندمج فك هاري على بعضه مما جعله غير قادر على تناول الأطعمة الصلبة، كما مان يواجه صعوبة في التحدث أيضًا.
كان يواجه صعوبة كبيرة في الجلوس، لأن الوركين كانا أول الأعضاء التي أصيبت بالشلل. و سرعان ما تشكلت عظمة في أعلى ذراعيه و إمتدت إلى عظام الصدر، و ربطت ذراعيه بصدره. إنتشرت صفائح من العظام على طول ظهر هاري، و إمتدت شرائط عظمية من الظهر إلى جمجمته. على مر السنين، تسبب النمو العظمي الجديد في تشكل نتوءات عظمية في حوضه و فخذيه.
و تقول التقارير الطبية، أنه في إحدى السنوات صدم أردافه عن طريق الخطأ في جهاز تدفئة، مما تسبب في كدمة أدت إلى تدمير الأنسجة الملساء،و التي تكون مكانها المزيد من العظام الحديثة. ف النهاية قبل الوفاة، كان هاري يستطيع تحريك عينيه، شفتيه، و لسانه فقط.
توفي هاري في عام 1973، قبل 6 أيام فقط من عيد ميلاده الأربعين. و قبل وقت وفاته أخبر أخته بأنه يرغب في التبرع بجسده و سجلاته الطبية لإجراء الأبحاث، حتى يتمكن الأطباء من إجراء المزيد من الدراسات حول المرض و فهمه بشكل صحيح.
و بالفعل في عام 2006، إكتشف بعض الباحثون أن مرض التنسج العظمي الليفي ناتج عن طفرات في جين يسمى ” ACVR1 ” و يمكن أن يكون أيضًا مرض وراثيًا، و ذلك بالرغم من أنه في معظم الحالات لم يكن لضحايا هذا الخلل أي تاريخ مرضي مشابه في أسرهم و ذويهم، بل أنهم طوروا هذه الطفرة الجينية تلقائيًا.
و في عام 2018، إنضم الهيكل العظمي لهاري إيستلاك إلى هيكل عظمي آخر، ينتمي إلى كارول أورزيل، و التي كانت تعاني هذ الأخرى من نفس الحالة المرضية. ولدت كارول أيضًا في فيلادلفيا عام 1959.
إحتاجت كارول مع مرور السنين إلى المساعدة في تناول الطعام و إرتداء الملابس، لأنها لم تكن تستطيع ثني مرفقيها. و لكن بالرغم من إعاقتها الجسدية، إلا أنها كانت تحب الرسم بإستخدام جهاز يشبه العصا و نظارات معينة تعوض عن حركة مرفقيها و معصمها و أصابعها و رقبتها. و بالإضافة لإستخدامها في الرسم، فقد إستخدمت هذه العصا في وضع الماكياج أيضًا، حيث كانت تهتم بمظهرها و ملابسها بشكل ملحوظ.
توفت كارول في نفس دار الرعاية التي قضى بها هاري سنواته الأخيرة، و قررت كارول التبرع بجسدها أيضًا بعد أن علمت بقصة هاري و رأت هيكله العظمي في متحف موتر. هذا الهيكلان ساعدا في الحصول على معلومات طبية كبيرة و مفيدة للغاية في دراسة هذه الحالة المرضية النادرة.