قصة جوز بنتي كسر بخاطرها في المطعم

في المطعم، جوز بنتي فجأة اتصرف بعنف وعدوانية تجاه بنتي قدام الناس كلها.

بس اللي صدمني أكتر كان إن أبوه ماتدخلش عشان يهديه، بالعكس، ده كان بيبرر له اللي بيعمله بصوت عالي وبيقول إن “هي دي الطريقة اللي لازم تتعامل بيها عشان تعرف مقامها وحجمها”. بنتي انهارت في لحظتها، جسمها كله كان بيترعش ودموعها نازلة من كتر القهر والكسرة والإهانة. قمت من على الكرسي ببطء، وقلبي بيدق بسرعة جداً، وعرفت إني مستحيل أفضل ساكتة بعد اللحظة دي.

ناس كتير حوالينا بصوا الناحية التانية، وعملوا نفسهم مش واخدين بالهم. الجرسون وقف مكانه متسمر مش عارف يعمل إيه. ولما لحظة الزعيق دي عدت، جوز بنتي ماعتذرش. فضل باصص لبنتي ببرود وقسوة. وهي قاعدة بتترعش، ودموعها بتنقط على مفرش السفرة الأبيض النضيف، وكأن كرامتها اتسحبت منها قدام الكل.

وقفت ومشيت ناحيتهم. كنت خايفة، بس إحساسي بالمسؤولية كان أقوى من خوفي. افتكرت كل المرات اللي بنتي كانت بتأكد لي فيها إن “كله تمام”، وكل العلامات اللي كانت بتحاول تخبيها، ومكالمات التليفون اللي كانت بتقفلها بسرعة فجأة. اللي حصل ده مكنش موقف عابر.. دي كانت علامة واضحة لمشكلة عميقة ومستمرة بقالها كتير.

فتحت شنطتي وطلعت تليفوني واتصلت برقم كنت مجهزاه وشيلاه معايا بقالي شهور. بصيت لجوز بنتي ولأبوه مباشرة في عينهم والخط بيجمع.

وقولت بمنتهى الهدوء: “مساء الخير، أنا بكلمكم من مطعم (لا ريبيرا). فيه حالة عنف منزلي وتهديد بتحصل حالاً، وفيه شهود موجودين. محتاجين مساعدة فوراً.”

الجو في المكان اتغير في ثانية. وش جوز بنتي جاب ألوان واصفر. أبوه سكت خالص. وبنتي رفعت راسها وبصت لي بذهول وعدم تصديق. في اللحظة دي، عرفت إن مفيش حاجة هترجع زي الأول تاني أبداً.

بعد وقت قصير، السلطات وصلت. مدير المطعم كان متعاون جداً، وكذا حد من الزباين اتطوعوا وقالوا شهادتهم. قعدت جنب بنتي، مسكتها وهديتها وطمنتها إنها مش لوحدها. كانت بتعيط بحرقة وهستيريا، كأن وجع سنين مكتوم بيطلع أخيراً.

جوز بنتي حاول يلم الموضوع ويقول إنه مجرد “سوء تفاهم” وإن “العلاقات معقدة وفيها شد وجذب”. وأبوه اتهمني إني “مكبرة الموضوع” وبأوفر. بس الشهود شرحوا للي جم بهدوء كل اللي شافوه، وكاميرات المراقبة في المطعم وضحت كل حاجة.

لما طلبوا من جوز بنتي يثبت شخصيته، إيده بدأت تترعش. وهنا ادوا الفرصة لبنتي إنها تتكلم.. ولأول مرة، قالت الحقيقة. مش بس الحقيقة عن الليلة دي، لا، دي اتكلمت عن ضغط نفسي وتحكم وعزلة كانت عايشة فيهم بقالها كتير. كل جملة كانت بتنطقها كانت كأنها حمل تقيل وبيتشال من على كتافها.

الليلة دي، بنتي مارجعتش بيتها مع جوزها. رجعت معايا أنا. عملت لها شاي وخليتها تريح في أوضتي. وقرب الصبح، اعتذرت لي إنها ماقالتليش من بدري. قولتلها برفق: “يا بنتي، اللي بيحاول ينجي بروحه مش محتاج يعتذر أبداً.”

الأيام اللي جت بعد كده كانت صعبة.. إجراءات قانونية، ومحادثات كلها توتر، وردود أفعال محرجة من قرايب كانوا بيفضلوا إنهم يفضلوا “على الحياد”. بس العملية استمرت. وحطينا حدود صارمة.

بنتي بدأت تروح لاستشاري نفسي.

وببطء، بدأت تتغير. الضحكة رجعت لوشها تاني. رجعت تتواصل مع صحابها. رجعت شغلها بثقة ما شوفتهاش فيها من سنين. التغيير مكنش سحر في لحظة.. كان تقدم بطيء بس ثابت وضروري.

ولما جه وقت نظر القضية في الآخر، بنتي اتكلمت بعزيمة وهدوء. مابقتش توطي عينها في الأرض زي زمان. اتحطت تدابير واضحة، والناس اللي كان ليهم سلطة عليها بسبب سكوتها، خسروا كل تأثيرهم.

الحياة مابقتش مثالية في يوم وليلة. كان فيه عثرات، وليالي قلق، ومخاوف لسه موجودة. بس كان فيه بدايات جديدة كمان: مكان أمان تعيش فيه، وتطور في شغلها، وضحك طالع من القلب بجد.

أنا كمان اتغيرت. اتعلمت إن السكوت مش هو اللي بيحافظ على هدوء البيت.. السكوت بيحمي الأذى والضرر. وقفتي الليلة دي مكنتش تهور. دي كانت فعل رعاية وحماية.

القصة دي مش عن الخناق ولا اللوم. القصة دي عن إننا نختار مانغمضش عيننا ونبص الناحية التانية. ساعات، قرار واحد هادي بس حاسم، يتاخد قدام الناس، ممكن يغير اتجاه حياة كاملة.

اترك ردّاً