قصة زفاف مهدوم وعدالة بتتحقق

بعد ست أسابيع من اليوم اللي جوزي رماني فيه أنا وابننا لسه مولود في عز “نوّة” شتا وتلج، دخلت الفرح بتاعه وأنا شايلة الحاجة الوحيدة اللي عمره ما تخيل إنها هتكون معايا.

اسمي ليلى، ولحد شهرين فاتوا كنت فاكرة إن حياتي بسيطة بس ماشية ومستقرة. كنا عايشين في “سانت كاترين” في قلب الشتا، والتلج كان بينزل بغزارة لدرجة تحسسك إن الزمن وقف. ابني “ياسين” كان عنده عشر أيام بس لما جوزي “محمود” بدأ يلف في الصالة والموبايل في إيده مش بيفارقه، وكان بيبرطم بكلام عن “شغل ضروري”. كنت هلكانة، وسخنة، ومغمتش عيني من أيام.

في الليلة دي، ومن غير ما يبص في عيني، قال إنه “نازل دقيقة” ومش راجع. وفعلاً مرجعش. على الصبح، البيت بقى تلج لأن الدفاية عطلت، والعربية مكنتش موجودة، ومفيش شبكة موبايل أصلاً. قضيت ساعات وأنا حاضنة ياسين، بغطيه ببطانية فوق بطانية، وبسخن مياه بأي طريقة عشان ندفى ونعيش.

لما الجار لمح إن مفيش حركة وجه ينقذني، كنت خلاص فاقدة الوعي. في المستشفى، عرفت الحقيقة المرة؛ محمود سحب قرشين حلوين من حسابنا المشترك ومضى ورق قانوني قبلها بأيام. يعني هروبه مكنش صدفة، ده كان مترتب له بالملي. وفي الوقت اللي كنت بحاول فيه أرضّع ابني وأعدي كل ساعة بالعافية، كان هو بيبني حياة تانية في مكان تاني خالص.

الأسابيع اللي بعد كده مرت في غضب وخوف وتعب يهد الحيل. قعدت عند أختي وبحاول أفهم إزاي بني آدم يختفي كدة؟ وفجأة، وصلتني دعوة فرح شيك جداً؛ “محمود التهامي” و”نيرة علام”. بعد ست أسابيع بس من اختفائه!

منزلتش دمعة واحدة، بالعافية حاجة جوايا اتحولت لجمود وتفكير صافي. بدأت أربط الخيوط ببعض؛ المكالمات المريبة، “سفريات الشغل” الوهمية، والورق اللي ضغط عليا أمضيه قبل الولادة. طلبت كشف حسابات، ورحت لمحامي شاطر، ودرست كل سطر في الورق المالي اللي تحت إيدي.

يوم الفرح، والجو بدأ يهدا شوية، لبست ونزلت، وشيلت ياسين في الحمالة بتاعته، ورحت القاعة. في إيدي كان الدليل القاطع. أول ما الباب اتفتح وكل الناس لفت تبص، وش محمود بقى لونه أبيض زي الورقة. ودي كانت اللحظة اللي الحكاية الحقيقية بدأت فيها فعلاً.

المزيكا وقفت فجأة. نيرة، اللي لابسة الفستان الأبيض، بصتلي وهي مش فاهمة حاجة. محمود كان شكله كأنه شاف عفريت. مشيت براحة في النص، وصوت كعبي كان أعلى من أي كلام. مفيش مخلوق نطق بكلمة.

“ليلى.. إيه اللي جابك هنا؟” قالها وهو بيتمتم. محتجتش أعلي صوتي، طلعت فايل أزرق من شنطتي ورفعته قدام الكل.

💔 فرح مهدوم وعدالة بتتحقق

“جيت بس أرجعلك حاجة نسيتها وأنت ماشي،” رديت عليه ببرود.

المأذون رجع لورا، والمعازيم بدأوا يوشوشوا بعض. وقفت قدام محمود وفتحت الفايل؛ كان فيه صور رسمية من ورق بيت باسمي، وحسابات كان مخبيها، والأهم من ده كله، عقد بيع عليه “توقيعي” المزور.

اكتشفت الحكاية وأنا بدعبس في الشهر العقاري؛ بيت جدي اللي يسوى ملايين، اتنقل باسمه بطريقة غير قانونية. وكنت أنا الوريثة الوحيدة، وهو كان عارف ده ومفتكر إني عمري ما هدور وراه.

كملت كلامي: “أنا كلمت المحامي بتاعك، وبتاعي، وبلغت الشرطة.” وفي اللحظة دي، دخل اتنين أمناء شرطة كانوا واقفين ورا. نيرة رمت بوكيه الورد من إيدها وهي بتصرخ: “بتقولي إيه؟ يا محمود رد عليا، الكلام ده صح؟”

حاول يقرب مني ويخبي الفايل ويسكتني: “ليلى أرجوكي، خلينا نتفاهم بره..”

قصة زفاف مهدوم وعدالة بتتحقق
قصة زفاف مهدوم وعدالة بتتحقق

قطعت كلامه: “مفيش تفاهم، أنت اتكلمت كفاية لما رمتني في التلج أنا وابنك اللي مكملش أسبوعين.” الشرطة طلبت بطاقته، والناس وقفت تصور بالموبايلات، والفرح قلب محاكمة علنية. محمود بدأ يعرق ويخبط في الكلام، وكل حاجة كانت متوثقة ومكشوفة.

قبل ما ياخدوه ويمشوا، بصلي بكرة وخوف رهيب: “معتقدتش إنك هتوصليني لكده،” همس بكسرة. رديت عليه: “ولا أنا كنت أتخيل، بس عملت كده عشان ابني.” بصيت لياسين وهو نايم على صدري مش داري بالدنيا، وعرفت إني مروحتش هناك عشان أنتقم، أنا روحت عشان أجيب حقي.

خرجت من القاعة ومبصيتش ورايا. التلج كان بيدوب، وكأن الشتاء التقيل ده قرر يخلص أخيراً.

بعدها بكام ساعة، مضيت آخر ورق مع المحامي، والبيت رجع باسمي، وقضايا محمود كملت في طريقها. ولأول مرة من الليلة اللي اتجمدت فيها، قدرت أتنفس بجد.

النهاردة، وبعد شهور، بكتب الكلام ده من بيت صغير بس منور وشمس داخلة فيه من كل حتة، بعيد عن ذكريات “سانت كاترين”. ياسين بدأ يزحف على الأرض وأنا بعمل قهوتي. الموضوع مكنش سهل؛ إنك تكوني “أم عزباء” دي مش قصة رومانسية، ده تعب وشك وسهر، بس كمان وضوح وقوة.

محمود خسر أكتر من مجرد فرح؛ خسر إنه يكون أب، وخسر احترامه لنفسه. أما أنا، فكسبت صوتي. ناس كتير سألتني مكنتيش خايفة وأنتي داخلة القاعة؟ طبعاً كنت مرعوبة، بس الخوف مش بيختفي لما بتعمل الصح، هو بس بيبطل يتحكم فيك. عرفت إن السكوت مش بيحمي غير الظلمة.

مكنتش قصدي أهينه قدام الناس، بس كنت بقفل دايرة الكدب بالحقائق والورق. نيرة مكلمتنيش تاني، ومش لوماها، هي كمان كانت ضحية تمثيلية كبيرة. الساعات اللي عشتها علمتني إن القوة بتيجي لما ميبقاش قدامك حل غير إنك تكون قوي، لما تقرر إن ابنك قصته مش هتبدأ بـ “أب هرب”، لكن هتبدأ بـ “أم شجاعة”.

لو بتقرأ الكلام ده وعشت خيانة، عاوزة أقولك: دور ورا حقك، اسأل، ومتقللش من قيمة نفسك. أنتي مش “نكدية” عشان بتطلبي حقك، ولا ضعيفة عشان بتطلبي المساعدة.

أنا دخلت الفرح بـ “ورق”، وخرجت منه بأغلى حاجة: يقين إني أقدر أحمي نفسي وابني.

ودلوقتي بسألك أنت يا اللي قريت لحد هنا:

تفتكر اللي عملته ده كان صح؟ لو كنت مكاني، كنت هتعمل إيه؟ ولو القصة دي لمستك، شاركها وقولي رأيك.. هل اضطريت في يوم تبدأ من الصفر بعد ما الكل راهن إنك مش هتقوم تاني؟

لأن أحياناً، إنك تقول الحقيقة هي دي الطريقة الوحيدة عشان تبدأ بداية جديدة ونضيفة.

اترك ردّاً